لم تكن ثورة الإنقاذ الوطني في الثلاثين من يونيو 1989م مجرد انقلاب عسكري كما يحلو للخصوم أن يصوروها بل كانت استجابة تاريخية لنداء وطن كان على شفا التمزق والانهيار يتجاذبه اليسار ببندقيته والتمرد بانفصاليته والعجز السياسي بارتباكه وتناحره فجاءت الإنقاذ لتقول كلمتها في لحظة فارقة وتضع السودان على طريق البناء والنهضة.
لقد وضعت كل الحكومات المتعاقبة قبل الإنقاذ على عيونها صبة من الغفلة عن ثروات البلاد وظل النفط دفين الأرض لعقود طويلة حتى جاءت الإنقاذ فانتزعت البترول من جوف الرمال وحركت به عجلة التنمية وأطلقت معه ثورة الطرق والجسور والمطارات والسدود وكان سد مروي رمزاً لإرادة لا تلين تماماً كما كانت جياد للصناعة الوطنية رمزاً لكرامة العامل السوداني.
وفي مجال التعليم فتحت الإنقاذ أبواب الجامعات أمام أبناء الوطن في كل ولاية فصار التعليم العالي حقاً عاماً لا امتيازاً طبقياً وولدت من رحم تلك الثورة أجيال قادرة على التفكير والإنتاج والإبداع تسهم اليوم في النهضة الخليجية والعالمية بعقولها وسواعدها.
أما في المجال الأمني والدفاعي فقد أعادت الإنقاذ للسودان هيبته فشيدت منظومة الصناعات الدفاعية ورفعت اسم البلاد في مصاف الدول المنتجة للسلاح من الطلقة إلى الطائرة ومن الفكرة إلى الفعل.
وكانت سبل العيش في عهد الإنقاذ في متناول يد المواطن يعيش بكرامة ويجد القوت دون عناء وكانت العيشة بجنيه واحد فقط والوقود زهيد الثمن والدواء متاح والبلاد تنبض حياة حتى جاءت قحت عديمة الرؤية والرسالة والقيم تمارس الكذب السياسي تحت ستار الشعارات وتجعل من هتاف الأطفال البريئين وسيلة لتمرير خطابها الزائف وتدعي أنها أخرجت ثورة من أجل الغلاء بينما في عهدها بلغ سعر العيشة أضعافا مضاعفة فكان الغلاء عنوان فشلها والضياع حصادها.
ورغم كل هذا العطاء تآمر الغرب على السودان لأنه رفض الخضوع لهيمنة القوى الدولية وسعى إلى بناء نموذج وطني مستقل يقوم على القيم الإسلامية والعدالة الاجتماعية فكان أن تسللت أيدي العملاء في الداخل من بقايا قحت الهوائية عديمة الرؤية والرسالة والقيم والمليشيا المتمردة التي أتت لتدمر ما شيدته سواعد الإنقاذ من عمران وإنسان نهبوا الممتلكات دمروا المصانع وأشعلوا الفتن بين أبناء الوطن الواحد خدمة لأجندات غربية لا تؤمن بوحدة السودان ولا بكرامته.
لكن رغم كل هذا فإن المسيرة الوطنية ماضية لا تعرف الانكسار فما أنجزته الإنقاذ من بنية فكرية وتنموية باقية في وجدان الشعب وما زرعته من وعي وهوية وطنية لن تمحوه بنادق المتمردين ولا أبواق الخونة.
إن الاعتذار الحقيقي الذي ينتظره الشعب السوداني ليس عن ثورة الإنقاذ بل عن خيانة الوطن وتشويه تاريخه وتدمير مقدراته باسم الحرية الزائفة فالإنقاذ لم تكن خطيئة بل كانت فصلاً من فصول المجد السوداني وستظل جذوة مضيئة في ذاكرة الأمة حتى تكتمل مسيرة الاستقلال الثاني ويبعث السودان من بين الركام كما يبعث الفجر من رحم الليل الطويل.
وها هو الجيش السوداني الباسل اليوم ببطولاته وتضحياته يكتب السطر الأهم في سفر الوطن يسند التراب بالدم ويحرس السيادة بالوفاء ويمد رايته فوق كل أرض حرة باقية على عهدها لا تضعف عزيمته ولا تخمد ناره يقاتل من أجل أن يبقى السودان حراً أبياً موحداً ومن خلفه شعب مؤمن بربه واثق في جيشه ماض في طريقه نحو النصر المبين.
ومهما تكالبت قوى الباطل وتزاحمت خيول المرتزقة على حدود العزة ومهما تسللت الأيادي العابثة من وراء البحار تسعى لتفتيت الوطن وزرع الفتن بين أهله فسيظل السودان شامخا لا ينكسر رافع الرأس في وجه الطغيان عصيا على الانحناء محروسا بعقيدة جيشه وإيمان شعبه باق ما بقيت في أرضه جذوة العزة والكرامة.
البوست السابق
قد يعجبك ايضا