عبدالماجد عبدالحميد يكتب: اللواء محي الدين .. الفارس والإنسان
• ودعت ولاية القضارف علماً من أعلامهما .. وفارساً من فرسانها وقمراً من أقمارها ..
• ودّعت القضارف رجلاً عاش حياته مجسّداً مقاصد كلمة الإنسان في أعلي تجلياتها .. كان خيرالناس لأهله الأقارب منهم والأباعد .. ولهذا لم يكن غريباً أن يتنادي أهله وعشيرته وأحبابه لوداعه في موكب حزين لم تشهد مدينة القضارف مثيلاً له في تاريخها القريب ..
• ولأن أقدار الله تجري بتدبيرٍ وترتيب فقد شاءت إرادة المولي أن يكون مشهد تشييعه قريباً من ساحة الوفاء التي شهدت تدافع أهل القضارف وفاءاً ومحبةً له يوم خرج من محبس الظلم الذي أبقاه عامين خلف جدار الحبس والكيد ..
• تنادي أهل القضارف لوداعه .. جاءوا يغطيهم الحزن وتكسو وجوههم سحابة صبرٍ جميل ويقينٍ لايتزعزع أن اللواء محي الدين قد ذهب إلي ربه راضياً مرضياً عنه بإذن الواحد الأحد .. الفرد الصمد ..
• أما وقد ذهب اللواء محي الدين أحمد الهادي إلي ربه فإن ماينفع أمته ووطنه من بعده هو عظات وعبر سيرته التي تباري محبوه وعارفي فضله في التذكير بها .. ومن سماحة الراحل العزيز ونقاء سريرته أن كل من عرفه وعايشه صار أقرب الناس إليه ويجد المرء ملمحاً لهذا في موكب تشييعه ومواساة أهله وعشيرته الذين كانوا ولايزالون يعزون أنفسهم في وفاته .. كل فردٍ منهم يعزي ويواسي نفسه قبل الآخرين ..
• من العبر والعظات بعد رحيل اللواء محي الدين أن ننظر في صفحات كتاب كسبنا مع أهلنا الأقربين ..كان الرجل باراً بأهله الأرحام وأهله في ولاية القضارف التي بادلته حباً بحب ووفاءاً بوفاء .. طيلة سنوات عمره بينهم لم تغيره المواقع ولا المناصب ولا النياشين التي زيّنت كتفه وهي يتسنّم أعلي الرتب بل زاد عليها بتأهيل علمي وأكاديمي أفقي ورأسي لم تقعده ظروف مرضه عن الترقي في سلم الشهادات الرفيعة حيث كان قريباً من نيل شهادة الدكتوراة في العلوم العسكرية وحال حابس إبتلاء المرض دون تحقيق طموحه وسينال بإذن الله أجر الساعي لنيل العلم من المهد إلي اللحد ..
• كان اللواء محي الدين من الذين يترفعون عن صغائر الأمور والمواقف .. ولا يُختُبر الرجال في هذا إلا عندما يجلس أحدهم علي كرسي السلطة أو تضعه تصاريف الأقدار وجهاً لوجه أمام ظروف تمتحن صبره وجَلَده .. وقد جلس الراحل العزيز علي كرسي والي ولاية القضارف وقبلها قائداً للفرقة الثانية مشاة .. ثم دارت الأيام وتم حبسه وتتالت عليه مضاعفات المرض ..وفي كل هذه المواقع والظروف ظلّ اللواء محي الدين محافظاً علي توازنه الإنفعالي وطريقته الخاصة في التعامل والتواصل مع المحيطين به من كل لونٍ وجنس ..
• ترك اللواء محي الدين وصية بلسان فعله لاقوله .. أن تبقي المؤسسة العسكرية والقوات المسلحة فوق الأفراد والجماعات .. لقد تم حبسه علي خلفية الزعم بمشاركته في المحاولة الإنقلابية التي قادها الفريق هاشم عبدالمطلب وعند خروجه من الحبس لم يحدث أن تحدث في أي مجلسٍ من مجالسه الخاصة والعامة عن ملابسات ماجري له طيلة أيام سجنه .. ولم يقل كلمة شاردة تُحسب عليه وكان يختصر الإجابة علي أسئلة السائلين بقوله : ماحدث ويحدث داخل حوش القوات المسلحة يبقي داخل بيت الجيش السوداني .. وهو أرسل بهذا وأرسي أدباً يحتاجه الآن بعض كبار وصغار المنتسبين إلي القوات المسلحة الذين يتبارون في نقد هذه المؤسسة والتقليل من شأنها وشأن قادتها بل ويتآمرون مع العدو ببيع أسرارها وكشف مواقع ومواطن قوتها !!
• وممايعرفه الذين زاملوا اللواء محي الدين أنه كان وفياً لأصدقائه ومعارفه وجيل دفعته حتي آخر أيام حياته .. ومما يحكيه من نفذوا أمر اعتقاله بتهمة المشاركة في إنقلاب الفريق هاشم عبدالمطلب أنهم اقتادوه لحظة وصوله مطار الخرطوم حيث كان عائداً من رحلة استشفاء .. وعنده سؤاله لهم وهو يبتسم .. الحاصل شنو، أخبروه أنه مطلوب لورود اسمه ضمن تحقيقات انقلاب عسكري بقيادة هاشم عبدالمطلب .. قال لهم : أنا مابعرف قصة الإنقلاب دي ..لكن الفريق هاشم دة صاحبي وحأمشي معاكم طوالي !!
• مات اللواء الهادي بأسرار أكثر السنوات تعقيداً في التاريخ الحديث للجيش السوداني .. وسيكتب هذا التاريخ في صفحاته الخالدة أن اللواء محي الدين كان في قائمة شرفاء القوات المسلحة الذين جاهروا برأيهم ضد التمدد الأفقي والرأسي لقوات الدعم السريع وحذروا مراراً وتكراراً من المخاطر الكارثية التي ستحدق بالوطن لتماهي بعض القيادات العسكرية والسياسية مع خطر الدعم السريع وهو عين مانعايشه اليوم حيث عاثت مليشيا التمرد في أرض السودان فساداً .. وممايُؤسف له أن القومَ أستبانوا النُصح الأمين بعد خراب سوبا والخرطوم عموم .. وكان الصحفي محمد حامد جمعة نوار قد كتب ذات يوم كلماتٍ بمداد الصدق والنور بحق اللواء هاشم وآخرين ..كتب يقول : ( بعد الذي طال الفريق الطيب المصباح واللواء محي الدين أحمد الهادي والعميد جمال الشهيد اقتنعت أن هذا البلد علي موعد مع نكبة لن تزول فقد بصق بوجه من حموه في ساعة العسرة وتملق من كانوا علي شفاه بسماته كالذباب ولات ساعة مندم)..
• أغمض اللواء محي الدين عينيه وتوسّد ثري قبره الطاهر في مقابر منطقة أبّايو .. غادر الدنيا وقد إطمأن أن أهله بولاية القضارف قد اصطفوا بكل ألوان طيفهم المجتمعمي لحماية حدود وعمق أرضهم الغنية بأهلها وثرواتها .. كأنما كانت أيام غيبوبته في فراش مرضه الأخير فترة صمت عن ضجيج الدنيا قبل أن يرحل وهو يلوّح بإبتسامته الودودة بآخر كلماته لأهله ( لا تستمطروا المصائب .. فالقضارف بخير ) ..
• رحم الله اللواء محي الدين .. رحمةٌ من الله عليه ورضوان ..ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ..
SSNA NEWS - سسنا نيوز
صدق الكلمة وسرعة الخبر