ادم مهدي يكتب: ظاهرة المُرتزقة
ظاهرة المُرتزقة تستحق الدراسة المُتعمقة لمعرفة أسبابها الحقيقية، ومن يقف خلفها؟ ومن يديرها؟ ومن هم ضحاياها؟ وكيف يمكن أن تتحول هذه الظاهرة إلي واقع يصعب علي العالم التغلب عليه أو الحد منه؟
المُرتزقة هُم أشخاص يُشاركون طوعاً في صراعات ونزاعات وحروب خارج دولهم، أما بدافع الحصول على الأموال والغنائم أو لخدمة توجهات ايدلوجية يتلقون تدريبات علي فنون القتال خارج الأطر العسكرية الرسمية، وينتقلون من بلد الي آخر دُون مُراعاة لحاجز الحدود أو الجنسية أو حتي القوانين الدولية والأعراف والاتفاقات الثنائية بين الدول.
ظاهرة المُرتزقة بدأت في الانتشار والتوسع في العقود الأخيرة، بعد أن تزايدت الحروب والصراعات بين الدول من جهة، والحروب الأهلية الداخلية والصراعات حول السلطة والثروة والنزاعات الطائفية والمذهبية من جهة أخرى، وكان مسرحها وما يزال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تنامت الظاهرة بشكل مُلفت بعد أحداث الربيع العربي الذي حول الأنظمة الحاكمة في عدد من البلدان العربية الي حالة فوضوية،. عجزت فيها أجهزة الدولة الرسمية من السيطرة علي حركة الكتلة البشرية المندفعة نحو العنف، بدافع وحجج التحرر من القبضة الأمنية للأنظمة الحاكمة في هذه الدول، ولكن سرعان ما تحول الربيع العربي الي كابوس، حيث نشبت الحروب في اليمن والسورية وليبيا وكادت تونس والجزائر ومصر ان تقع في نفس الفخ، وأخيراً لحق بها السودان الذي استيقظ شعبُه في صبيحة 15 أبريل 2023م علي فاجعة أودت بحياة المئات وتشريد الملايين بين نازح في الداخل ولاجئ في الخارج.
عن ظاهرة المُرتزقة في السودان قالت تقارير أممية ومنظمات حقوقية وجمعيات لحقوق الإنسان، فضلاً عن الإعلان الرسمي للحكومة السودانية، عن وجود مقاتلين أجانب في صفوف الدعم السريع من دول غرب أفريقيا، تشاد ومالي والنيجر وافريقيا الوسطى وليبيا واليمن،
حيث عثرت السُلطات العسكرية السودانية في معارك دارت في العاصمة الخرطوم علي جوازات سفر لجنسيات عربية من الامارات واليمن وجنوب السودان،
أكثر من ثمان دول يقاتل منسوبيها في صفوف الدعم السريع، مما أدى إلى انحرافات في مسار الصراع في السودان من البحث عن الديمقراطية الي حالة من النهب والسلب والقتل والاغتصاب. الأمر الذي دفع قيادات الدعم السريع الي نفي وجود مقاتلين أجانب في صفوف قواتهم، ولكن سرعان ما خرج عدد من القادة الميدانيين علي رأسهم (جلحة) الذي أعلن بشكل رسمي أن المجموعة التي يقودها تتكون من عدد من الجنسيات الافريقية من دول الجوار الافريقي القريب والبعيد.
ظاهرة المرتزقة مازال العالم يتعامل معها بأقل من حجمها، حيث لم يتم حتى الآن إصدار ما يجرم هذا السلوك من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها ومؤسساتها ومجلس الأمن الدولي أو حتي الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية،
صمت العالم عن تجريم تكوين قوات خارج النظم العسكرية لهذه الدول ومنع ومعاقبة كل من يساهم في صناعة المرتزقة أو يتعامل معهم أو يسخرهم لخدمة مشروعه السياسي أو الاجتماعي أو الديني أو الطائفي، العالم لم يصدر ما يمكن أن يستند عليه في معاقبة المرتزق نفسه في حالة القبض عليه أثناء مشاركته في حروب خارج بلده الأصلي.
لذا سيظل العالم في حالة فوضى في معظم دول العالم الثالث وقد تتسلل هذه الظاهرة الي دول العالم الأول والاقطار الحديثة، مع العلم أن هذا النوع من المرتزقة موجود في الولايات المتحدة الأمريكية، تحت مسمى شركات الخدمات الأمنية علي سبيل المثال لا الحصر شركة (بلاك ووتر) التي شاركت عبر مرتزقة لها في غزو العراق عام 2003م وفي روسيا الاتحاد السوفيتي السابق باسم شركة (فاغنر) التي يخوض عناصرها حرباً بالوكالة في اوكرانيا، ولكن هذه البلدان استطاعت السيطرة علي هذه الشركات ووظفتها لخدمة مصالحها خارج أراضيها، رغم أن الأمر كاد أن ينفلت من روسيا إبان ظهور بوادر تمرد لعناصر فاغنر بقيادة الجنرال (يفغيني).
تجاهل العالم لهذه الظاهرة وتغافله المقصود عن وضع الأطر القانونية اللازمة للحد منها، سيخلق فوضي في الكرة الأرضية لن يستطيع العالم حسمها دون خسائر كبيرة في البشر والبنية التحتية، وستكلف العالم وقتاً وجهداً والموارد ضخمة ،وقد يختل معها النظام العالمي وتتأثر النظم القانونية وتتراجع سلطات المؤسسات الدولية في وجه تنامي ظاهرة المرتزقة
SSNA NEWS - سسنا نيوز
صدق الكلمة وسرعة الخبر